144

في سنة 1914, وحسب سجلات قائمقامية كسروان , كان يوجد في بلدة غادير 433 مؤسسة تجارية وعدد سكانها1263 نسمة, وفي بلدة صربا 213 مؤسسة تجارية وعدد سكانها 1714 نسمة , وفي حارة صخر 165 مؤسسة تجارية وعدد سكانها 808 نسمة ,وفي ساحل علما 21 مؤسسة تجارية وعدد سكانها 187 نسمة. وكانت قد عفت ازدهاراً ملحوظاً بعدما سمح لها بفتح ميناء للمراكب التجارية بدعم من فرنسا والبطريركية المارونية وبسعي من فعاليتها ليصبح ( مع مرفأ النبي يونس على ساحل الشوف ) المرفأ الرسمي لمتصرفية جبل لبنان سنة 1913.

في عهد الانتداب عرفت جونيه تراجعاً اقتصادياً وركوداً, ناتجاً عن التنظيمات الادارية الفرنسية التي سلبتها قسماً من وظيفتها الادارية لمصلحة العاصمة بيروت , فضلاً عن خروجها من الحرب العالمية الاولى خائرة القوى بسبب ويلات المجاعة والضائقة الاقتصادية , مما اضطر العديد من ابنائها الى النزوح الى العاصمة او الى الهجرة , فخسرت بذلك خيرة ابنائها , وتوقف تطورها الاجتماعي والسكاني وضعف نموها الاقتصادي . ويلاحظ ذلك في احصاء سنة 1932 حيث بلغ مجموع عدد منازل جونيه مع احيائها 1286 منزلاً موزعة على صربا 371 بيتاً , غادير 343 بيتاً , حارة صخر 350بيتاً , ساحل علما 131 بيتا .وانعكس هذا الوضع الاقتصادي على قطاع البناء , وظهر ذلك في سجلات البلدية التي كانت تسجل رخصاً محدودة جداً في هذا ا

لقطاع , في الفترة الممدة من سنة 1922 حتى سنة 1940, ولم يكن ناشطاً في تلك الفترة ,سوى قطاع التربية والمدارس , والحرف الصغيرة , وزراعة الحمضيات وقصب السكر والقلقاس والخضار …. واستمر هذا الوضع قائماً حتى مجيء عهد الرئيس فؤاد شهاب , الذي قام بتجهيز المدينة بكل مقومات المدن العصرية , فاستيقظت من سباتها على طرق , وانارة , ومشاريع فرز وضم , ونخطيطات حديثة , وملعب بلدي , مرفأ سياحي , وسراي حكومي وبنى تحتية …. وقد استعان الرئيس شهاب بعدد من الخبراء والمهندسين وعلى رأسهم المهندس الفرنسي ايكوشار , مبدأ الحديث عن ” مونتي كارلو الشرق ” وبرزت جونيه كعروس الشاطىء اللبناني , وأخذت منذ 1959 تستقطب المصارف واولها المصرف اللبناني للتجارة , فدرال بنك لبنان, حتى وصل عدد هذه المصارف عشية حرب 1975 الى 6 مصارف , في بلغ عدد هذه المصارف اليوم 38 مصرفاً , ما عدا مصرف

37

لبنان الذي تأسس سنة 1879. كما بدأت اسعار الاراضي بالارتفاع فبعدما كان متوسط سعر المتر المربع في مناطق جونيه الفترة الممتدة من 1950 بين 7و9 ليرات وصل الى 25و30 ليرة في سنة 1965.

كما أخذ قطاع البناء بالنمو التدريجي , انطلاقاً من منطقة صربا اولاً فغادير فحارة صخر وأخيراً ساحل علما , واخذت بعض البنايات المحدودة تتوزع في أرجاء المدينة , مع تراجع قطاع الزراعة الذي بقي محصوراً في سهول الكسليك وبعض البساتين في غادير وحارة صخر وساحل علما . وفي مطلع السبعينات تحولت جونيه الى مركز استقطاب سياحي متكامل مع الشبكة السياحية التي قامت في أرجائها وأطرافها : كازينو لبنان , التلفريك , سيدة لبنان , جعيتا , المطاعم , الفنادق , الملاهي , المسابح , المرفأ …الخ.

ومع حرب 1975, وتقسيم بيروت الى منطقتين غربية وشرقية , وتطور أعمال العنف , هرب الكثيرون الى المناطق الآمنة وبدؤوا بيتنظيم اوضاعهم تبعاً للظروف الأمنية ومن 1980 حتى 1990 عرفت جونيه نزوحاأ كثيفاً الى أرجائها , فانتقل قسم كبير من تجار بيروت الى أسواقها , واتسع النزوح اليها وأخذت البنايات تلتهم مساحتها الخضراء وتتوزع في مناطقها , وتتمركز المجمعات السياحية الضخمة على شاطئها , فتبدلت معالمها وضربتاه العشوائية , رغم الانعكاس الايجابي لاستعمال المرفأ السياحي كمرفأ تجاري.

وفي سنة 1990 ومع توقف الاعمال الحربية , لم تعد جونيه تلك المدينة الصغيرة التي كانت تسمع هدير البحر, وبيوتها القرميدية محاطة بالبساتين الحالمة , بل باتت مدينة ساحلية مكتظة بالسكان في غابات من الباطون دون ان يكون لها شاطىء ينبسط عليه الموج.

img0032

جونيه على مشارف الالف الثالث ومطلع القرن الحادي والعشرين تتطلع بعقلها وبكل ثقة الى المستقبل , تاركة قلبها وذكرياتها وحنينها في قرن كبرت فيه قبل أوانها .في قرن لا يحمي من الذاكرة . وهي تعد اليوم 18 الف ناخباً , ويقدر عدد المقيمين في ضواحيها وبلداتها بمئتي الف نسمة , وتشير التقديرات المستقبلية ان جونيه في منتصف القن الحادي والعشرين , ستصبح ضاحية من ضواحي بيروت , في خط ساحلي سيشكل مدينة واحدة تمتد على طول الاوتوستراد , في وقت سيصل فيه تعداد سكان لبنان بحدود 2025 الى حوالي 6 ملايين نسمة.

                                                                                                        الأستاذ واكيم بو لحدو 

                                                                                                                                                   

                                       Â